فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {خَالِصَةً} قرأها نافعٌ رفعًا، والباقون نصبًا فالرفع من وجهين:
أحدهما: أن تكون مرفوعة على خبر المبتدأ وهو {هِيَ}، و{لِلَّذِين آمَنُوا} متعلق بـ {خَالِصَةً}، وكذلك {يَوْمَ القيامةِ}.
وقال مكيٌّ: ويكون قوله: {للَّذين} بيينًا، فعلى هذا يتعلق بمحذوف كقولهم: سَقْيًا لك وجَدْعًا لك.
و{فِي الحياة الدنيا} متعلَّق بـ {آمَنُوا}، والمعنى: قل الطيبات خالصة للمؤمنين في الدُّنيا يَوْمَ القيامةِ، أي: تَخْلصُ يوم القيامة لمن آمَنَ في الدُّنْيَا، وإنْ كانت مشتركة فيها بينهم وبين الكفَّار في الدُّنيا، وهو معنى حسن.
وقيل: المرادُ بخلوصها لهم يَوْمَ القيامةِ أنَّهُم لا يعاقبون عليها، وإلى تفسير هذا نَحَا سعيدُ بْنُ جُبَيْرِ.
الثاني: أنْ يكون خبرًا بعد خبر، والخبر الأوَّل قوله: {لِلَّذينَ آمَنُوا} قاله الزجاج: واستحسنه أبو علي، و{فِي الحياة الدنيا} على هذا متعلِّق بما تعلَّقَ به الجارُّ من الاستقرار المقدَّرِ، و{يَوْمَ القيامةِ} معمول لـ {خالصة} كما مرَّ الوجه قبله، والتقديرُ: قل الطيبات مستقرة أو كائنة للذين آمنوا في الحياة الدُّنيا، وهي خالصة لهم يوم القيامةِ، وإنْ كانوا في الدُّنيا يشاركهم الكفَّارُ فيها.
ولمّا ذكر أبُو حيَّان هذا الوجه لم يعلَّقُ {فِي الحياةِ} إلا بالاستقرار، ولو علق بـ {آمنوا} كما تقدم في الوَجْهِ قَبلَهُ لكان حسنًا.
وأمَّا النصب فمن وجه واحد، وهو الحال من الضَّمير المستتر في الجارِّ والمجرور قبله، والمعنى: أنَّها ثابة للَّذين آمنوا في حال كونها خالصة لهم يَوْمَ القيامةِ، و{للَّذينَ آمَنُوا} خبر {هِيَ} فتتعلق بالاستقرار المقدَّرِ، وسيأتي أنَّهُ متعلق باستقرار خاص في بعض التقادير عند بعضهم.
و{فِي الحياة الدنيا} على ما تقدَّم من تعلُّقه بـ {آمنوا} وبالاستقرار المتعلق به للذين، و{يَوْمَ القيامةِ} متعلِّق أيضًا بخالصة، والتقديرُ: قل الطّيبات كائنة أو مستقرة للمؤمنين في الحياة حال كونهم مقدَّرًا خلوصها لهم يَوْمَ القيامةِ.
وسمى الفراء نصبها على القطع، فقال: {خَالِصَةً} نصب على القَطْعِ، وجعل خبر {هِيَ} في اللاَّم التي في قوله: {للَّذين}، ويعنى بالقطع الحال.
وجوَّز أبُو علي أنْ يتعلَّق {فِي الحياة الدنيا} بمحذوفِ على أنَّهُ حال، والعاملُ فيها ما يعمل في الَّذينَ آمَنُوا.
وجوَّز الفارسيُّ، وتبعه مكيٌّ أن تتعلَّق {فِي الحياةِ} بـ {حرم} والتقديرُ: من حرم زينة الله في الحياة الدُّنْيَا؟ وجوَّز أيضًا أن تتعلق بالطّيبات.
وجوَّز الفارسي وحدَهُ أن تتعلَّق بالرزق ومنع مكيٌّ ذلك قال: لأنَّكَ قد فرَّقْتَ بينهما بقوله: {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ} يعني أن الرِّزْقَ مصدر، فالمتعلّق به من تمامه كما هو من تمام الموصول، وقد فصلت بينه وبين معموله بجملة أجنبية، وسيأتي عن هذا جواب عن اعتراض اعتراض به على الأخْفَشِ.
وجوَّز الأخْفَشُ أن تتعلَّق {في الحياة} بـ {أخرج} أي: أخرجها في الحياةِ الدُّنْيَا، وهذا قد ردهُ عليه النَّاس بأنه يلزم الفَصْلأُ بين أبعاض الصلة بأجنبي، وهو قوله: {وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق}.
وقوله: {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ}، وذلك أنَّهُ لا يُعطَفُ على الموصول إلاَّ بعد تمام صلته، وهنا قد عطفت على موصوف الموصول قبل تمامِ صلته؛ لأنَّ {الَّتِي أخْرَجَ} صفة لـ {زينة}، و{الطيِّبَات} عطف على {زِينَة} وقوله: {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ} جملة أخرى قد فصلت على هذا التقدير بشيئين.
قال الفَارِسِيُّ- كالمجيب عن الأخفش-: ويجوزُ ذلك، وإن فُصِلَ بين الصلة والموصولة بقوله: {هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ} لأنَّ ذلك كلام يشدُّ الصِّلة، وليس بأجنبي منها جدًّا كما جاء ذلك في قوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [يونس: 27].
فقوله: {وتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} معطوف على {كَسَبُوا} داخل في الصلة.
قال شهابُ الدِّين: هذا وإن أفاد في ما ذكر، فلا يفيد في الاعتراض الأوَّلِ، وهو العطفُ على موصوف قبل تمام صلته؛ إذْ هو أجنبي منه، وأيضًا فلا نسلِّم أنَّ هذه الآية نظير آية يونس فإنَّ الظاهِرَ في آية يونس أنَّهُ ليس فيها فصل بين أبعاض الصِّلة.
وقوله: لأن {جزاء سيِّئةٍ بمِثِلِهَا} معترض، {وتَرْهَقُهُمْ} عطف على {كَسَبُوا}.
قلنا: ممنوع، بل {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [الشورى: 40] هو خبر الموصول، فيعترض بعدم الرَّابط بين المبتدأ والخبر، فيجابُ بأنَّهُ محذوف، وهو من أحسن الحذوف؛ لأنَّهُ مجرور بمن التَّبْعيضية، وقد نصَّ النُّحَاةُ على أنَّ ما كان كذلك كثر حذفه وحَسُنَ والتقديرُ: والَّذينَ كَسَبُوا السيِّئَاتِ جَزَاءُ سيِّئةٍ منهم بمثلها ف {جَزَاءُ سَيِّئةٍ} مبتدأ، ومِنْهُم صفتها، و{بمثلها} خبره، والجملة خَبَر الموصول، وهو نظير قولهم: السَّمن منوانِ بِدرْهَمٍ أي: منوان منه، وسيأتي لهذه الآية مزيد بيان.
ومنع مكي أن يتعلق {فِي الحياة الدنيا} بـ {زينة} قال: لأنَّها قد نُعتت، والمصر واسم الفاعل متى نعتا لا يعملان لبعدهما عن شبه الفعل.
قال: ولأنَّهُ يُفَرَّق بين الصَّلة والموصول؛ لأنَّ نَعْتَ الموصول ليس من صلته.
قال شهابُ الدِّين: لأن زينة مصدر فهي في قوة حرف موصول وصلته، وقد تقرَّر أنَّهُ لا يتبع الموصول إلا بعد تما صلته، فقد تحصل في تعلق الَّذينَ آمَنُوا ثلاثة أوْجُهٍ:
إمَّا أنْ يتعلَّق بـ {خالصة}، أب بمحذوف على أ، ها خبر، أو بمحذوف على أنَّها للبيان وفي تعلق {فِي الحياة الدنيا} سبعةُ أوْجُهٍ.
أحدها: أن يتعلق بـ {آمنوا}.
الثاني: أن تتعلَّق بمحذوف على أنَّها حال.
الثالث: ان يتعلق بما تعلَّق به {لِلَّذِينَ آمَنُوا}.
الرابع: أن يتلعَّق بـ {حَرَّمَ}.
الخامس: أن يتعلَّق بـ {أخْرَجَ}.
السادس: أن يتعلق بقوله: {الطّيِّبات}.
والسابع: أن يتعلَّق بالرزق.
و{يَوْمَ القيامةِ} له متعلق واحد وهو {خَالِصَةٌ}، والمعنى: أنَّها وإن اشتركت فيها الطائفتان دنيا فهي خالصة للمؤمنين فقط أخرى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
الإشارة منها إلى زينة السرائر؛ فزينة العابدين آثار التوفيق، وزينة الواجدين أنوار التحقيق، وزينة القاصدين ترك العادة، وزينة العابدين حسن العبادة.
ويقال زينةُ النفوس صدارُ الخدمة، وزينة القلوب حفظ الحرمة، وزينة الأرواح الإطراق بالحضرة باستدامة الهيبة والحشمة.
ويقال زينة اللسان الذكر وزينة القلب الشكر.
ويقال زينة الظاهر السجود وزينة الباطن الشهود.
ويقال زينة النفوس حسن المعاملة من حيث المجاهدات، وزينة القلوب دوام المواصلة من حيث المشاهدات.
ومعنى قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِى} يعني إن الله لم يمنع هذه الزينة عمن تعرض لوجدانها، فمن تصدى لطلبها فهي مباحة له من غير تأخير قصود.
قوله جلّ ذكره: {وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}.
أرزاق النفوس بحكم أفضاله سبحانه، وأرزاق القلوب بموجب إقباله تعالى.
ويقال أرزاق المريدين إلهام ذكر الله، وأرزاق العارفين الإكرام بنسيان ما سوى الله. اهـ.

.قال التستري:

وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [33] قال: يعني الحسد بقلبه والفعل بجوارحه، ولو أن يترك التدبير فيهما كان من أوتاد الأرض، ولكن العبد بين حالين، إما أن يدبر بقلبه ما لا يعنيه، أو يعمل بجوارحه ما لا يعنيه، ليس ينجو من أحدهما إلاَّ بعصمة الله تعالى، فعيش القلوب اليقين وظلمتها التدبير.
قال: وكنا مع سهل عند غروب الشمس فقال لأحمد بن سالم: اترك الحيل حتى نصلي العشاء بمكة.
وقوله تعالى: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [33] قال: من تكلم عن الله من غير إذن، وعلى سبيل الحرمة وحفظ الأدب، فقد هتك الستر، وقد منع الله تعالى أن يقول عليه أحد ما لم يعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (33):

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين أن ما حرموه ليس بحرام فتقرر ذلك تقررًا نزع من النفوس ما كانت ألفته من خلافه، ومحا من القلوب ما كانت أشربته من ضده؛ كان كأنه قيل: فماذا حرم الله الذي ليس التحريم إلا إليه؟ فأمره تعالى بأن يجيبهم عن ذلك ويزيدهم بأنه لم يحرم غيره فقال: {قل إنما حرم ربي} أي المحسن إليّ بجعل ديني أحسن الأديان {الفواحش} أي كل فرد منها وهي ما زاد قبحه؛ ولما كانت الفاحشة ما يتزايد قبحه فكان ربما ظن أن الإسرار بها غير مراد بالنهي قال: {ما ظهر منها} بين الناس {وما بطن}.
ولما كان هذا خاصًا بما عظمت شناعته قال: {والإثم} أي مطلق الذنب الذي يوجب الجزاء، فإن الإثم الذنب والجزاء؛ ولما كان البغي زائد القبح مخصوصًا بأنه من أسرع الذنوب عقوبة، خصة بالذكر فقال: {والبغي} وهو الاستعلاء على الغير ظلمًا، ولكنه لما كان قد يطلق على مطلق الطلب، حقق معناه العرفي الشرعي فقال: {بغير الحق} أي الكامل الذي ليس فيه شائبة باطل، فمتى كان فيه شائة باطل كان بغيًا، ولعله يخرج العلو بالحق بالانتصار من الباغي فإنه حق كامل الحقية، وتكون تسميته بغيًا على طريق المشاكلة تنفيرًا- بإدخاله تحت اسم البغي- من تعاطيه وندبًا إلى العفو كما تقدم مثله في {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} [النساء: 148] ويمكن أن يكون تقييده تأكيدًا لمنعه بأنه لا يتصور إلا موصوفًا بأنه بغير الحق كما قال تخصيصًا وتنصيصًا تنبيهًا على شدة الشناعة: {وأن تشركوا بالله} أي الذي اختص بصفات الكمال {ما لم ينزل به سلطانًا} فإنه لا يوجد ما يسميه أحد شريكًا إلا وهو مما لم ينزل به الله سلطانًا بل ولا حجة به في الواقع ولا برهان، ولعله إنما قيده بذلك إرشادًا إلى أن أصول الدين لا يجوز اعتمادها إلا بقاطع فكيف بأعظمها وهو التوحيد! ولذلك عقبه بقوله: {وأن} أي وحرم أن {تقولوا على الله} أي الذي لا أعظم منه ولا كفوء له و{ما لا تعلمون} أي ما ليس لكم به علم بخصوصه ولا هو مستند إلى علم أعم من أن يكون من الأصول أو لا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن الذي حرموه ليس بحرام بين في هذه الآية أنواع المحرمات، فحرم أولًا الفواحش، وثانيًا الإثم، واختلفوا في الفرق بينهما على وجوه: الأول: أن الفواحش عبارة عن الكبائر، لأنه قد تفاحش قبحها أي تزايد والإثم عبارة عن الصغائر فكان معنى الآية: أنه حرم الكبائر والصغائر، وطعن القاضي فيه، فقال هذا يقتضي أن يقال: الزنا، والسرقة، والكفر ليس بإثم وهو بعيد.